29 - 06 - 2024

اقرأني لتراني | عن الغسيل، والطائرة وغرناطة!

اقرأني لتراني | عن الغسيل، والطائرة وغرناطة!

(أرشيف المشهد)

  • 11-11-2015 | 17:48

أخرج لأجمع غسيلى من الشرفة، أمطار الخريف الغزيرة والمفاجئة هذا العام تربكنى ويسوءنى أن أغسل وأنشر مرتين. تعلونى الرجفة ولا اجد ما أتدثر به من لفحة هواء مباغتة سوى عباءة زوجى أرميها على كتفى وأشعر بها لاتزال رطبة. يداى تعملان بشكل أوتوماتيكى وعقلى يأخذنى فى مركبه الصغير فى بحار واسعة لاحول لى فيها ولا قوة. يأتينى صوتها وأنا ألتقط الملاءات: ""لاوحشة فى قبر مريمة". هل كنت تقرأين المستقبل يا رضوى فى ثلاثية غرناطة أم تنقبين فى الماضى؟ صورتِ لنا أسرة كبيرة تملأها الثقافة والعزوالعزوة بالأحفاد فى بداية الرواية فى غرناطة، وجعلتينا نرى كيف غربلتهم الأيام والليالى فى زمن تكالب علي المسلمين فيه الغرب وكالوا لهم من صنوف الإضطهاد والتغريب والتفريق وساعدتهم على هذا أطماع الداخل وخياناتهم وفسادهم حتى إنتهيتِ بعلىّ، فردٌ هائمٌ على وجهه وحيداً واقفاً على شاطيء مجبرٌ على الرحيل من الأندلس!

أصابتنى طريقة كشف غموض حادث سقوط الطائرة الروسية فى شرم الشيخ والتى أعلنت بريطانيا  أنها مٌدبرة وأن داعش وصلت لمطار شرم الشيخ وأرسلت فى إجلاء رعاياها بشكل مفاجئ فى نفس الوقت الذى يتواجد فيه الرئيس المصرى فى بريطانيا لأول مرة بعد فترة من التوتر بالإرتباك، ثم أحزننى موقف روسيا المتذبذب بحدة رغم انها لعبة السياسة القذرة، إزداد يقينى أن موسم السياحة القادم قد إنتهى قبل بدايته ،دمعت عيناى لحال البلد الذى ميلته قوى الفساد المتغلغلة، أغرقتنى الأمطار التى اغرقت الشوراع والبيوت وأرزاق الناس.

أشعر أننى عروس ماريونيت تحركنى خيوط قوية لا أرى نهايتها.  

أزحت الغسيل للداخل ورجعت للشرفة أقف أمام سورها أرقب المطر. أين يوجه المرء شراعه فى زمن الحيرة؟ سؤال واجه الناس فى زمان غرناطة. هل يهربون ويتركون بلادهم التى بدا واضحاً أن أوروبا قد خططت هلاكها أم يبقون على الأرض يمدون جسوراً فى تربة تتفكك. ثلاثة أجيال من أسرة واحدة تحاول ان تجيب السؤال. هناك من يموت كمداً ولا يملك سوى أن ينسخ الكتب العربية ويخبئها فى بيت مهجور، وهناك من يهرب، وهناك من ينضم للمقاومة أياً كان اسمها و يحاول، وهناك من يتنصر برغبته، وهناك من يتنصر بغير رغبته أملاً فى النجاة وهناك من يستخدم ذكاءه وحيلته وفطنته فى الإستمرار، موالياً البطش من الخارج مؤمناً بعقيدته من الداخل معلياً بقاء الأسرة والمجتمع على كل شيء، مثل مريمة وهناك من يرفض الرحيل ويبقى فى مكانه أياً كانت النتائج.

أنظر للسماء فلا اجد أية قمر. لاشيء سوى المزيد من هبات الخريف المباغتة تحمل قارب عقلى لبحار اعمق. لم يسجل لنا أى تاريخ حيوات الناس الصغيرة فى ذلك السطر الشهير فى الكتب " ولقد مرت البلاد بعصر من الإضمحلال!"، وهو سطر يأتى عادة بين عصرقوى وآخر. لم نسمع أصوات البسطاء ولا الفقراء. لم نسمع أصوات الأمهات ولا الجدات، حاولت رضوى فى غرناطتها فكتبت عن حالنا الآن.

فمن يكتب عن خوفى من يوم لا أجد فيه غسيلى، ولا بيتى؟

مقالات اخرى للكاتب

فى رثاء الخالة: متلازمة الصدمة





اعلان